تاج محل ، من عجائب الدنيا الحديثة و التي تستحق البحث و الدراسة. بناه رجل مسلم أسمه "شاه جهان"، لزوجته المسلمة "ممتاز محل". يُعتبر من الأبنيه المميزة في هندستها و طراز بنائها و يمثل قمة من قمم الشموخ في العمارة الإسلامية. هو من أشهر معالم الهند و يزوره الملايين من السواح سنوياً.
وتاج محل أحد أجمل المباني المشبعة بالطراز الإسلامي في الهند من حيث الروعة والزخرفة والتصميم الهندسي ، وأحد أجمل العناصر الأثرية في العالم ، والمصنف كإحدى عجائب الدنيا السبع .
مبنى عملاق ينتصب وسط مساحات شاسعة من الحدائق على ضفة نهر يامونا ، يشرف على مدينة ( أكرا ) الهندية ، مدينة أباطرة المغول والتي كانت عاصمتهم في ذلك الحين ، إلى أن قام الإمبراطور شاه جهان الذي حكم الهند قبل أكثر من 300 سنة بنقل العاصمة من ( أكرا ) إلى مدينة ( دلهي ) التي تبعد عنها حوالي 204 كم ، والتي غدت عاصمة الهند حتى يومنا هذا .
ومع أن أشهر ركن في هذا الصرح التاريخي هو ضريح الزوجة (ممتاز محل) بقبته الرخامية البيضاء إلا أن هذا المجمع الضخم الذي يمتد على مساحة 42 فداناً يتضمن أيضاً مساجد ومآذن ومباني أخرى .
ولبناء هذه التحفة المعمارية الفاتنة حرص شاه جيهان على استخدام أعلى المهارات المتوفرة في عصره لبناء هذا الصرح العظيم . وقد تم جلب المعماريون والحرفيون إلى أكرا من بغداد ومن القصور العثمانية في تركيا وقدم مصممو الحدائق من كشمير والخطاطون من شيراز والحجارون والنحاتون وحرفيو الجص ومصممو القباب والبناؤون من بخارى والقسطنطينية وسمرقند.
ويقال أنه تم إسناد مهمة التصميم الأساسية من قبل الإمبراطور شاه جيهان للمهندس التركي عيسى أفندي والمهندس محمد سيازي خان الإيراني فوضعا تصاميم البناء، وأكثر المراجع تقول أن المهندس التركي عيسى أفندي كان المسؤول الأول عن تصميم المبنى ، أما محمد خان من شيراز وعبد الغفار من مولتان فكانا خطاطي المشروع. فيما المسؤول عن النواحي الفنية والتصميم الداخلي كان قادر زمان خان من الجزيرة العربية.
وبالفعل بدأ العمل في البناء عام 1631م وانتهى عام 1653م، وشارك في البناء حوالي 22 ألفاً من العمال والمهندسين، وبالداخل مسجد وقصر للضيافة استغرق بناؤهما خمس سنوات ، وطوال سنوات العمل البناء كانت الاستشارات والتعديلات شيئاً متواصلاً يجري يومياً.
البناء المكسو بالرخام الأبيض نصف الشفاف ، والمنقش والمرصع بآلاف القطع من الأحجار الكريمة
بُني تاج محل من الرخام الأبيض النقي (marble) الذي تم استخراجه من محجر جبل "ماكراتا" والذي يبعد 563 كم (في إقليم راجستان)، تم استحضارالحجر الرملي الأحمر من دلهي ، كما أحضرت الحجارة الكريمة بالقوافل من كل أنحاء الأرض : اليشب من البنجاب والعقيق الأحمر من بغداد والفيروز من التيبت والملكيت واليشم والكريستال من تركستان وغيرها من اللؤلؤ والماس والزمرد والصفير... أكثر من أربعين نوعاً من الأحجار الكريمة.
البناء المكسو بالرخام الأبيض نصف الشفاف ، والمنقش والمرصع بالورود وبآلاف القطع من الأحجار الكريمة
تم تزويد المبنى بثلاث بوابات رئيسية، وبالدخول عبر بوابة التاج الهائلة المبنية من الحجر الرملي الأحمر، يظهرعلى يمين البوابة غرف العمال والمهندسين الذين بنوا المكان، وفي أعلى البوابة الضخمة تطل اثنتان وعشرون (22) قبة صغيرة تشير لعدد السنوات التي استغرقها بناء تاج محل .
تم بناء منحدر بطول عشرة أميال عبر أكرا لتحقيق إمكانية سحب مواد البناء إلى قمة القبة في موقع البناء ، وكان المشروع من الضخامة بحيث أن مدينة ممتاز أباد تنامت حول المشروع لإيواء العمال الذين اشتغلوا عشرين عاماً لبناء الصرح.
وللتمكن من رفع القبة شيدت سقالة هائلة حيث تطلب هذا الجزء من المبنى على وجه الخصوص الكثير من الجهد والمال. ويقال إن القبة وحدها كلفت أكثر من باقي المبنى كله. وتقول الأسطورة إن شاه جيهان حين اقتراب تاج محل من النهاية قيل له إن تفكيك السقالة سيستغرق خمس سنوات. فما كان منه إلا أن أعلن أن كل من يرفع قرميدة تصبح ملكاً له، وإذ بالمهمة تنتهي بين ليلة وضحاها.
واجهة البوابة الرئيسية لـ تاج محل
وهناك أربع منارات، ثلاث منها قريبة بنيت مائلة عكس الاتجاه لئلا تقع على البناء في حالة حدوث زلزال، أما المنارة الرابعة فبنيت بزاوية قائمة بعيدة قليلاً، ولا ترمز المنارات الأربع لشيء معين بل تعد ديكوراً جميلاً للبناء. ونجد في الداخل بوابة جميلة مزخرفة غاية في الإبداع الفني مزينة بسورة (يس) من القرآن الكريم بالخط الفارسي بحروف عربية ومزخرفة برسوم إسلامية بألوان جميلة محفورة على الرخام، وجلبت الأحجار الملونة طبيعياً من أفغانستان ومصر وتركيا وإيران.
يبلغ ارتفاع المبنى حوالي 61م بإكساء من الرخام الأبيض بكامله ، وكتبت عليه آيات من القرآن الكريم باللون الأسود. وقد تم ترصيع وتزيين جدران المبنى بالأحجار الكريمة والعقيق وزهور عباد الشمس وأحجار الفيروز في تنسيق رائع يبهر الأبصار ويسلب العقول كما تحيط بالمبنى من كل جانب مجموعة من القباب الكبيرة والصغيرة غير المتصلة والتي يصل ارتفاع بعضها الى 41 متراً.
ومن أجمل اللمسات الفنية المبهرة لهذا الصرح العظيم هي بلورات الرخام الأبيض المتلألئة نتيجة لانعكاس ضوء القمر في منتصف كل شهر ليعطي منظراً مهيباً يأخذ بالألباب ويثير البهجة في النفوس، وكأن المكان يشع بالنور وسط الظلام.
وكانت تحيط بالمبنى حديقة كبيرة تعتبر قمة في التخطيط والتنسيق الرائع حيث كانت تضم النافورات الجميلة والأشجار العالمية المشكلة بطرق هندسية فريدة .
في عام 1637م نقلوا رفات الإمبراطورة ممتاز محل من جنوب الهند ووضعت في مركز المبنى على حسب التصميم الهندسي، وعندما اكتمل بناؤه طلب الإمبراطور شاه جيهان من المهندسين اللذين قاما بالبناء عدم بيع فنهما لأحد من بعــده ، ومنهم من قال أنه تم قطع أيدي العديد من أشهر الحرفيين الذين شاركوا في التصميم والبناء ترهيبا وخوفا من تقليده أو نقل أفكاره التصميمية الرائعة .
واليوم أصبح تاج محل واحداً من أشهر الأيقونات البصرية. ورغم السحر الذي يلف جماله والقصة التي كانت وراء بنائه، فإن واجهته مألوفة لدينا جميعاً لدرجة تجعلنا ننسى أن تاج محل صرح يتميز بأصالة وتفرد مطلقين بالنسبة لزمنه.
وبعد وفاة الإمبراطور دفن في نفس البناء إلى جانب زوجته ،وقد قال البعض إن شاه جيهان لم يكن ينوي أن يجاور زوجته في القبر وإنما كانت نيته بناء تاج محل آخر من الرخام الأسود ليكون ضريحاً له ، وقد حاولت الهند في الأوقات الأخيرة إرضاء هذا الامبراطور بعد مماته ، لبناء تاج محل بالرخام الأسود وقد نسمع أخباره قريبا .
تحفة فنية رخامية مختارة من جدران البناء المشبعة بهذه اللوحات الهندسية الرائعة
محراب داخلي بإكساء رخامي مرصع بالزخارف الهندسية والأحجار الكريمة